«نيويورك تايمز»: سرقة المساعدات يُفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
«نيويورك تايمز»: سرقة المساعدات يُفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
أسفر القصف الإسرائيلي والعدوان على غزة عن أزمة إنسانية حادة في القطاع، حيث لقي أكثر من 45 ألف شخص حتفهم وفقًا للمسؤولين المحليين، الذين لا يميزون بين المدنيين والمقاتلين، كما انتشرت المجاعة، وفرضت إسرائيل قيودًا على دخول المساعدات إلى غزة وأغلقت حركة شاحنات الإغاثة بين شمال القطاع وجنوبه.
وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته، اليوم الاثنين، أنه رغم أن حركة حماس تم طردها من معظم المناطق، إلا أن إسرائيل لم تضع بديلاً للحكومة، في بعض أجزاء جنوب غزة، حيث ملأت العصابات المسلحة الفراغ الأمني الناجم عن ذلك، ما جعل وكالات الإغاثة غير راغبة في تعريض مساعداتها للخطر.
وتطرقت إلى أنه في الشهر الماضي، كان حازم إسليم، سائق شاحنة فلسطيني، يمر عبر أنقاض جنوب غزة محملاً بشحنة مساعدات عندما تعرضت قافلته لهجوم من قبل مجموعة مسلحة، واقتحم أحد المسلحين شاحنته وأجبره على التوجه إلى أحد الحقول القريبة لتفريغ آلاف الأرطال من الدقيق المخصص للفلسطينيين المحتاجين.
نهب 100 شاحنة مساعدات
ونقلت الصحيفة عن إسليم، في اتصال هاتفي من غزة، إنه في صباح اليوم التالي، كانت العصابة قد نهبت جميع إمدادات قافلته التي كانت تضم نحو 100 شاحنة مساعدات تابعة للأمم المتحدة.
وهي كمية تكفي لإطعام عشرات الآلاف من الأشخاص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أحد أسوأ الحوادث من هذا النوع خلال الحرب.
وأضاف إسليم: “كان الأمر مرعباً، ولكن أسوأ جزء هو أننا لم نتمكن من توصيل الطعام إلى الناس".
إيقاف نقل المساعدات
أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هذا الشهر أنها لن تقوم بعد الآن بتوصيل المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الرئيسي بين إسرائيل وجنوب غزة، بسبب انهيار النظام الأمني.
وتتراكم مئات الشاحنات المحملة بالإغاثة عند المعبر جزئيًا لأن وكالات الإغاثة تخشى أن يتم نهبها، وقد بدأت عمليات النهب في وقت مبكر من العام، حيث كانت تقوم بها مجموعات صغيرة من السكان الجياع في غزة، لكنها تحولت الآن إلى "عمليات نهب منظمة، وتكتيكية، ومسلحة من قبل عصابات إجرامية"، كما قال جورجيوس بتروبولوس، مسؤول كبير في الأمم المتحدة مقيم في مدينة رفح الجنوبية.
معاناة متزايدة
بعد هجوم القوات الإسرائيلية على مدينة رفح في مايو الماضي، بهدف إخراج حماس من أحد آخر معاقلها، بدأت العصابات المنظمة في اعتراض شاحنات المساعدات التي كانت تتجه من المعبر الرئيسي إلى جنوب غزة.
وسرقت العصابات الطحين والزيت والسلع الأخرى، ثم قامت ببيعها بأسعار مرتفعة بشكل غير معقول، وفقًا للمنظمات الإغاثية وسكان غزة.
وفي جنوب غزة، ارتفع سعر كيس الطحين الذي يزن 55 رطلاً إلى 220 دولارًا، بينما في شمال غزة حيث لا توجد اضطرابات كبيرة في المساعدات، يمكن أن يتراوح السعر بين 10 و15 دولارًا.
اتهام إسرائيل بالتساهل
اتهم عمال الإغاثة الدوليين إسرائيل بتجاهل المشكلة والسماح للعصابات بممارسة النهب دون عقاب، ولا تسمح الأمم المتحدة للجنود الإسرائيليين بحماية قوافل المساعدات، خوفًا من أن ذلك قد يؤثر على حيادها، وطالبت إسرائيل بالسماح للشرطة في غزة، التي هي تحت سلطة حماس، بتأمين القوافل.
من جهة أخرى، اتهمت إسرائيل حركة حماس بسرقة المساعدات الدولية، وقالت إن الشرطة هي مجرد ذراع آخر من أذرع الحركة، وواصلت استهداف قوات الشرطة التابعة لحماس، ما أدى إلى إضعافها بشكل كبير، وأصبح من النادر رؤية ضباط الشرطة في معظم أنحاء غزة، وفقًا لما قاله السكان.
تزايد عمليات النهب
خلال الأسبوعين الماضيين، سمحت إسرائيل لبعض شاحنات المساعدات بالمرور عبر حدود غزة مع مصر، وهو مسار يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي بالكامل، وقد تمكنت وكالات الأمم المتحدة من تفادي اللصوص وتوصيل بعض المساعدات، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لمعالجة نقص المساعدات، وفقًا لما ذكره عمال الإغاثة وسكان غزة.
أسهمت أسعار السلع المرتفعة التي يبيعها اللصوص في خلق مشاهد يائسة بين سكان غزة العاديين الذين كانوا يتصارعون من أجل الحصول على أي طعام يمكن تحمله.
إغلاق المخابز المدعومة أممياً
في ظل تصاعد الاضطرابات، أغلقت جميع المخابز المدعومة من الأمم المتحدة في جنوب ووسط غزة أبوابها في الوقت الحالي، وقال عوض: “اليوم، حلم المواطن الغزي وطموحه هو الحصول على قطعة خبز.. لا أستطيع أن أقول شيئًا أكثر حزنًا من ذلك”.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن بعض أصحاب شركات النقل في غزة وسائقي الشاحنات وعمال الإغاثة إن العديد من العصابات شاركت في عمليات النهب مؤخرًا، لكن العديد منهم أشار إلى ياسر أبو شباب، البالغ من العمر 35 عامًا، باعتباره الشخص الذي يقود العملية الأكثر تطورًا، وقالوا إن عصابة أبو شباب تهيمن على معظم حي النصر في رفح الشرقية، الذي تحول بفعل الحرب إلى أرض قاحلة.
ووصفه جورجيوس بتروبولوس، المسؤول في الأمم المتحدة، بـ"سمسار القوة في شرق رفح"، وأشار إسليم، سائق الشاحنة الذي تعرض للهجوم في رفح، إلى أن اللصوص الذين اختطفوه أخبروه أن أبو شباب هو رئيسهم.
ردود فعل الجانبين
في 25 نوفمبر، شنت قوات الأمن التابعة لحماس مداهمة على حي أبو شباب، مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا، وأفادت وسائل الإعلام التابعة لحركة حماس في ذلك الوقت بأن قواتها قتلت 20 من “عصابات اللصوص الذين كانوا يسرقون المساعدات”.
واستمر اللصوص في السيطرة على الإمدادات ورفع الأسعار، قال عمال الإغاثة وسائقي الشاحنات إن الجيش الإسرائيلي غالبًا ما كان يتجاهل الأمر، وقال بتروبولوس: “هناك استمرار في السماح للقوات الإسرائيلية بمستويات غير مقبولة من النهب في المناطق التي هي تحت سيطرتها العسكرية بشكل نظري وفعلي”.
وفي بعض الأحيان، نشرت الدبابات الإسرائيلية على الطرق الرئيسية التي تسلكها شاحنات المساعدات، وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم ناقشوا السماح لشركات الأمن الخاصة بحماية قوافل المساعدات الدولية داخل غزة، لكن هذا يبدو أنه تغير في الأسابيع الأخيرة، حيث تم استهداف اللصوص الذين كانوا يهاجمون القوافل.
وقالت شاني ساسون، المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إن الجيش يستهدف اللصوص المسلحين الذين يهاجمون القوافل، وليس فقط أولئك الذين ينتمون إلى حركة حماس.
وفي أواخر نوفمبر، فتح الجيش الإسرائيلي النار على اللصوص الذين كانوا ينتظرون اعتراض الشاحنات في رفح، مما أجبرهم على التراجع، وفقًا لمذكرة داخلية للأمم المتحدة.
ومع تطهير الطريق، اندفعت شاحنات الأمم المتحدة نحو وسط غزة، ومع ذلك، لم يمنع ذلك العصابات من التكاتف مجددًا واختطاف الشاحنات على الطريق.
ردود دولية واتهامات لإسرائيل
تواجه إسرائيل اتهامات عدة بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، حيث تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً قراراً يطالب برأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول التزامات إسرائيل الإنسانية تجاه الفلسطينيين.
وترد إسرائيل على الاتهامات بأنها تسعى إلى منع حماس من إعادة تنظيم صفوفها، بعد الهجوم الذي شنته الحركة في أكتوبر وأدى إلى مقتل 1208 أشخاص في إسرائيل وخطف 251 آخرين.
تسببت الهجمات الإسرائيلية في استشهاد 45,259 شخصاً في قطاع غزة، وفق أرقام وزارة الصحة في غزة، والتي تعتبرها الأمم المتحدة ذات مصداقية، ومع استمرار العمليات العسكرية، تتفاقم معاناة السكان وسط غياب حلول إنسانية حقيقية.